لا «اليوم السابع» أقل من مجلة تايم.. ولا أنا أقل من الذين فى التايم يختارون شخصية العام فى نهاية كل عام.. وبالتالى التمست لنفسى العذر ومنحتها الحق فى اختيار شخصية العام فى مصر لعام 2009..
ومع الأوراق والأقلام وملفات الأرشيف وبقايا الأيام، قضيت وقتا طويلا أحاول الاختيار وفق أسس موضوعية وطبيعية وعادلة، فهذا هو الفارق الحقيقى بيننا وبينهم، هم يختارون ما يرون أنه الأحق بهذا اللقب ونحن هنا تتحكم مشاعرنا أو مصالحنا وحساباتنا الشخصية فى اختياراتنا.
وبهذا المنطق لا يمكننى اختيار الرئيس مبارك شخصية العام فى مصر عام 2009 لمجرد أنه الرئيس، ولا يمكن أن أجارى كل هؤلاء الذين حاولوا طيلة الفترة الماضية التلويح والتلميح والتصريح بأن علاء مبارك هو الاختيار المناسب بعد أحاديثه التليفونية عبر شاشات التليفزيون التى أكدت مصريته وإحساسه الحقيقى والصادق بما أحس به المصريون بعد اللعب مع الجزائر فى الخرطوم.. ولكننى قد أتوقف قليلا.. أو أطيل التوقف والتمهل.. أمام الدكتور محمد البرادعى.. ومن الممكن أن أفكر فيه جديا وأختاره راضيا ومقتنعا كشخصية العام لمصر عام 2009.. ليس لأن الرجل أعلن اعتزامه خوض انتخابات الرئاسة المقبلة فى مصر ولكن باعتباره الرجل الذى أعاد الدماء لتجرى من جديد فى شرايين قد جمدت، ومن فرط تصلبها بدت كأنها فقدت الحيوية والحياة..
فنتيجة لإعلان البرادعى ترشيح نفسه.. عاشت مصر، ولو بالكذب والوهم والتخيل أجواء الديمقراطية الحقيقية التى لا نشاهدها إلا خارج بلادنا حين نرى معسكرين يتنافسان ولكل منهما أنصاره ومؤيدوه وتدور بينهما حروب الإعلام وصراعات الرؤى والمواقف والمصالح والحسابات الشخصية والعامة.. صحيح أن البرادعى دون أن يقصد فضح زيف وخواء الصحافة الرسمية فى مصر، وكشف ضعفها وهوانها وقلة حيلتها وقلة ذكائها وقلة معلوماتها ومفرداتها وفقر أفكارها وإبداعها وخيالها.. إلا أن ذلك يمكن أيضا اعتباره نقطة إيجابية أضيفها إلى رصيد البرادعى لاختياره شخصية العام فى مصر، لأن هذه الصحافة الرسمية أدركت دون أن تعلن ذلك بوضوح وصوت عال صورتها ووزنها الحقيقى، وبدأت تلتفت لأول مرة منذ زمن طويل لجروحها وبلادتها، ومدى قدرتها على التأثير فى الناس والتواصل معهم.
ولكننى.. فجأة.. وجدت أنه من الصعب تجاهل السيدة العذراء.. مريم.. وحكاية تجليها فى كنيسة السيدة العذراء والملاك ميخائيل بالوراق على كورنيش نيل القاهرة، ولن أناقش هنا حقيقة تجلى العذراء مريم والذين اقتنعوا به سواء أقباط أو مسلمين أو الذين لم يقتنعوا أيضا سواء أقباط أو مسلمين، ولكننى سأتوقف فقط أمام الآلاف الذين ذهبوا إلى الوراق أو الملايين الذين كانوا يتمنون الذهاب وانتظار العذراء هناك، فقد رأيت فى هذا المشهد شعبا ضاق بواقعه وحياته وهمومه ولم يعد يرى خلاصا من كل أزماته وهمومه وحموله الثقيلة إلا أن تأتى السيدة العذراء من السماء ليشكو لها كل قبطى وكل مسلم مدى الظلم الذى يعيشه، فكرت فى عمرو موسى باعتباره أكثر دبلوماسى مصرى معاصر يحظى بتقدير واحترام كل المصريين.. ولأنه بات رمزا لكل ما بقى لمصر من عروبتها أو من مجدها ومكانتها العربية القديمة، وفكرت فى الدكتور بطرس غالى، وزير المالية، الذى أصبح أكثر سياسى يكرهه المصريون الآن ويرون فيه جابى أموالهم الفقيرة لمصلحة دولة لم تر أبدا ضرورة ترشيد إنفاقها وسفهها وفسادها وفجأة.. توقفت.. ولم أعد أفكر فى أى شخص أو اسم، وهنا أدركت الفارق بين «اليوم السابع» وبين مجلة تايم، ففى مصر لا يمكن اختيار شخصية للعام، وننسى المواطن المصرى الذى يعيش الحياة المستحيلة.. يحمل هموم الدنيا فوق رأسه ويبقى واقفا على قدميه، والذى لا يزال حتى الآن يضحك ويعيش ويحلم دون أن ينكسر أو يستسلم.. رأيت هذا المواطن أحق باللقب من أى أحد.. رأيته الأعظم والأهم والأجمل والأحق بأى وكل تكريم فى الدنيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة