«أنا».. اسم غريب لو تم اختياره لقناة تليفزيونية؛ لكن أى قدر من الاندهاش يزول إذا اقتربت أكثر من قناة واتتها جرأة هذا الاختيار، فالرسالة التى تريد إيصالها عن نفسها، أنها الوحيدة التى يمكن أن ترى نفسك فيها كمرآةٍ حقيقية، وبالتالى لها الحق فى أن تتسمى باسمك.. أى تصبح بالنسبة لكل واحدٍ فينا هى الـ«أنا».
لكن الاقتراب من فهم هذه القناة لن يكون فى منتهى السهولة إذا حاولت القيام به بنية فهم توجهاتها، والمسألة ستختلف كثيراً إذا قررت الاكتفاء بدور المشاهد. والسبب ببساطة أن ارتباكاً لابد سيصيبك عند محاولة فهم هوية شاشة تحوى القدر نفسه تقريباً من مقدمات البرامج المحجبات وغير المحجبات، من الفواصل الشبابية حتى النخاع وبرامج الدين التقليدية! هى قناة تحمل القدر نفسه من المتعة والتوجيه الدينى.
هذه القناة تركز جهدها فى منطقة من الأنسب وصفها بـ»السهل الممتنع» فالخط الرئيسى الذى اختارته هو «البرامج الاجتماعية»، وهى نوعية من البرامج يقع كثيرون فى فخها، على اعتبار أنها منطقة سهلة، لكنها فى الحقيقة تمس المساحة الأكبر من الاهتمام لدى المشاهد، فهى المساحة التى تتبقى بعد «بعض» من الاهتمام بالأخبار والسياسة والترفيه، ولا مصادفة هنا من قدرة الـ«أنا» على التركيز وإتقان اللعبة، فأغلب كوادرها هم بالفعل مدربون على هذه النوعية من الإنتاج الإعلامى فى مؤسسة أثبتت نجاحاً فى هذه المنطقة فى وسيلة إعلامية أخرى (الإنترنت) وهى مؤسسة «إسلام أون لاين».
من هنا يمكن أن نفهم لمَ تحظى الشاشة بكل هؤلاء المقدمات من المحجبات، لكن المدهش هو وجود أخريات غير محجبات، فمن الواضح طبعاً أن توجهاً يميل إلى الطابع الدينى يحكم توجهات القناة، وبصراحة فقد استطاعت القناة تقديم مستنسخات من المحجبة الأكثر شهرة د.«هبة قطب»، وذلك من خلال طبيبات وخبيرات نفسيات يقدمن استشارات أسرية على الهواء، لكن وقبل أن تخرج بانطباع دينى عن القناة، ستجد مذيعات أو طبيبات أخريات مصريات وعرب يظهرن بملابس عادية دون حجاب.. ما الرسالة التى تريد القناة توصيلها؟ هل هى أنه لا مانع أن تجمع الشاشة أى شاشة بين الاثنتين؟ أو أن الشاشة يمكن أن تحظى بكثير من المحجبات دون أن يخل ذلك بشروط نجاحها؟ أو أنه لا مانع من وجود امرأة غير محجبة على شاشة تميل إلى التدين؟
وتعرض القناة «فواصل» لكنها لا تمثل إعلاناً عن القناة؛ بل نصائح تربوية تخص الأطفال! وهو ما يعتبر تجديداً فى مفهوم الفواصل. من ناحية أخرى تقدم القناة برنامجاً دينياً يومياً يحمل اسم «الله أعلم»، يستضيف مقدمه الشيخ «جمال قطب» رئيس لجنة الفتوى فى الأزهر سابقاً ومن السهل تمييز الخط المختلف فيما يقدم فى البرنامج، على سبيل المثال أن يتم توجيه مشاهد إلى أن قراءة القرآن فى المسجد لا ينبغى أن تذاع فى الميكروفون، لأن هذا عير لائق.
بعض الوقت فقط هو ما تحتاجه «أنا» لتصبح قناة ذات شعبية على المستوى الاجتماعى، هذا إذا استطاع ملاكها توفير التمويل اللازم للاستمرار، ما يعنى الحاجة لتقييم ما يقدم فيها أكثر وأكثر، فكثير من الحميمية تصنعه القناة قد يجعلها مؤثرة إلى أبعد مدى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة