ياسر أيوب

قضاء.. مرفوع من الخدمة مؤقتا

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009 07:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين تشاهد هذه البرامج التليفزيونية الكثيرة جدا على مختلف الشاشات التى تتسابق وتلهث وراء أحمد شوبير ومرتضى منصور ليستمتع جمهور كل شاشة منها برؤية الاثنين, وكل منهما يحاول القضاء على الآخر إعلاميا وأخلاقيا واجتماعيا.. لا تملك إلا أن تتساءل عن أى قيمة باقية لبلاغات تقدم بها الاثنان إلى النيابة العامة, فمن المفترض أنه من الطبيعى والمنطقى، أن يلجأ كل من يرى أنه صاحب حق للنيابة العامة من أجل استرداد حقوقه، لكنه ليس من الطبيعى ولا من اللائق أن يلجأ أى أحد منا إلى النيابة العامة أو إلى القضاء مطالبا بحقوقه ثم يخرج من مبنى النيابة أو من قاعة المحكمة، وقد قرر أن يأخذ حقه بنفسه.

وقد تزامنت أزمة أحمد شوبير مع مرتضى منصور مع أزمة أخرى تخص الفنان القدير نور الشريف مع جريدة البلاغ التى اتهمته بالفجر والشذوذ، ورغم لجوء نور الشريف للقضاء للمطالبة بحقوقه، ورغم تأكيد الزملاء فى جريدة البلاغ أنهم سيثبتون براءتهم وسيقدمون فى ساحة القضاء كل ما لديهم من أدلة وبراهين تؤكد براءتهم وسلامة موقفهم، إلا أن أيا من الطرفين لم يلتزم بذلك، وعلى شاشة دريم استضاف الزميل والصديق وائل الإبراشى السادة المحامين عن نور الشريف، وجلس أمامهم الزميل والصديق عبده مغربى.

وعلى الرغم من أن المحاكمة القضائية بدأت بالفعل وانعقدت أولى جلساتها الأسبوع الماضى فى محكمة جنح السيدة زينب برئاسة القاضى محمد راشد، إلا أن كل الأطراف لم تحترم ذلك.. فتاهت الفواصل والحدود بين قاعة المحكمة وبين بلاتوه التصوير التليفزيونى، وتلاشت أى فوارق بين محمد راشد كقاض ورئيس محكمة وبين وائل الإبراشى كصحفى قدير وشهير.. فقد أصبح الاثنان يقومان بالدور نفسه فى الوقت نفسه.. وليس صحيحا أن محمد راشد هو وحده فقط الذى يملك حق إصدار أحكام بالبراءة أو الإدانة، فحكم وائل الإبراشى المغلف بالصورة التليفزيونية وألوانها وظلالها، أكثر تأثيرا وإقناعا لدى جموع الناس المأخوذين بالصور الملونة وليس بمتابعة الأحكام القضائية فى ساحات المحاكم.

وأستطيع الآن أن أعدد عشر حالات، حكم فيها القضاء بالبراءة، ولكن لم يلتفت أحد ولم يقتنع بمثل هذه البراءة لأن الإعلام كان قد سبق القضاء وأصدر الحكم بالإدانة، والعكس أيضا صحيح.. القضاء يحكم بالإدانة، لكن الإعلام يصر على البراءة، ثم إنك لابد أن تسأل: لماذا يذهب أى محام أصلا ليدافع عن موكله فى برنامج تليفزيونى؟، وقد حدث ذلك كثيرا جدا خلال الفترة الماضية وفى مختلف القضايا والنزاعات.

وإذا كان مرتضى منصور قد رفض المشاركة فى حلقة وائل الإبراشى باعتباره محاميا عن نور الشريف مؤكدا أن كل كلامه ودفاعاته مكانها قاعة المحكمة لا شاشات التليفزيون.. وهذا موقف محترم وطبيعى ومنطقى فإن السؤال الضرورى هنا هو: لماذا لم يقرر مرتضى منصور أن تبقى النيابة العامة ثم ساحات المحاكم هى المكان الطبيعى والوحيد الذى يتحدث فيه محاولا إثبات براءته ضد كل اتهامات أحمد شوبير أو محاولا إثبات إدانة أحمد شوبير فى الاتهامات التى وجهها له مرتضى منصور، بدلا من كل هذه المشاهد التليفزيونية والمكالمات والمداخلات المتبادلة بين الاثنين وكأنهما -أو كأننا كلنا- لم نعد نثق فى قضائنا.. فى نياباتنا ومحاكمنا بكل من فيها من رجال وقضاة ومستشارين.

ثم إن معظم زملائى وأصدقائى أمام الكاميرات والميكروفونات باتوا مقتنعين بأن النجاح هو أن تسبق ليس زملاءك ومنافسيك، وإنما تسبق كل الهيئات القضائية فى بلدك ومجتمعك، فمنى الشاذلى حاولت أن تقنعنا بأننا لم نعد فى حاجة لأى محاكمة قضائية لأحمد شوبير، لأنها سبقت هذه المحاكمة وقررت أن تحاكم شوبير بنفسها ومعتز الدمرداش قرر أن يحاكم مرتضى منصور، وسيد على قرر أن يستضيف الفتاة صاحبة المكالمة الشهيرة قبل أن تناقشها النيابة العامة وتسمع أقوالها، وفجأة قرر سيد على أن الفتاة مسكينة ومدانة ومهددة، ودعانا كلنا لأن نتعاطف معها وأن نحميها أيضا.. وبالتالى باتت هذه الفتاة بريئة ومجرد ضحية مهما كان رأى أو قرار النيابة العامة.

باختصار.. أصبح القضاء فى بلادنا مرفوعا مؤقتا من الخدمة.. لا أحد يتمهل انتظارا لأحكامه ولا أحد ينتظر أن تأتيه براءته أو حقوقه الضائعة عن طريق القضاء الرسمى.. إنما بات كل أحد يسعى للحصول على براءته وحقوقه بيديه.. وهو معنى شديد الخطورة والإزعاج، لأن ذلك هو تجسيد للفوضى، وبلادنا ليست فى حاجة لأى فوضى جديدة.. بلادنا تحتاج لقضاء.. يعود للخدمة ويبقى سيفا مسلطا فوق رقاب الجميع.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة