بكت ابنتى الصغيرة (9 سنوات) وهى ترى أناسا، يتحدثون بمرارة عن حياة بلا ماء أو كهرباء أو مجارٍ.. ناهيك عن الفقر المدقع، وطلبت من أمها أن تكلم عمو حسنى (تقصد الرئيس) «عشان يصرف للناس دى فلوس ويديهم بيوت».. وعندما قالت لها أمها أنها لا تكتب فى السياسة، جاءتنى مسرعة وسألتنى: مش انت تعرف رئيس الوزراء.. كلمه عشان الناس دى دلوقتى، قلت لها إننى لا أعرف رقم موبايله، ردت بسرعة طيب كلم العادلى (وزير الداخلية).
كان التقرير فى برنامج «واحد من الناس» وخرج المذيع اللامع عمرو الليثى عن حياده المهنى، ليصرخ مطالبا محافظ القاهرة وكل المسئولين لإنقاذ أهالى عشش العصارة من الفقر والأمراض المنتشرة، وكرر الليثى المفارقة المحزنة، وهى أن هذه المنطقة تتبع دائرة النزهة الجديدة وحى مصر الجديدة.. مفارقة مأساوية أن تكون هذه الحياة غير الآدمية فى قلب العاصمة، وفى حى الأثرياء أو على الأقل الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة.. والأغرب أن تكون بالقرب من مقر الرئاسة، والأكثر غرابة أن نائب هذه المنطقة فى البرلمان هو الدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء الذى احترمه.
ومن المؤكد أنك تعرف أن عشش العصارة، ليست حالة استثنائية، فحسب ما نشره الزميل حمدى مصطفى مجلة الأهرام العربى 12 / 1 / 2008، ربع سكان مصر يعيشون فى 88 منطقة عشوائية على مستوى الجمهورية, تحتل محافظة أسيوط وحدها- حسبما تنص الأرقام الرسمية- نصيب الأسد، تليها محافظة القاهرة وهى المفروض أن تكون العاصمة النظيفة، لكنها تحتوى على 68 منطقة عشوائية تحيط بها من شمالها إلى جنوبها من شرقها إلى غربها.
إنها مصيبة كبرى، تشعرنى أن المسئولين التنفيذيين بلا قلب، فكيف يمكن أن يناموا وهناك بشر من لحم ودم، تهاجمهم الثعابين والفئران، ويعانون من أمراض مرعبة أقلها الفشل الكلوى؟!.
أعرف ومن المؤكد أنك تعرف، أن هناك الكثير والكثير من الخطط الحكومية التى تم إعلانها، ومن المؤكد أنك تعرف مثلى، أنها انتهت إلى لا شىء.. ومنها على سبيل المثال البرنامج القومى الذى وضعته وزارة الإسكان منذ عام 2005، فى عهد الوزير السابق الدكتور محمد إبراهيم سليمان، وحسب الآلة الإعلامية للبرنامج القومى، فقد كان هدفه القضاء على العشوائيات العمرانية فى جميع أنحاء البلاد بحلول عام2025، ورصدت الوزارة لذلك البرنامج ميزانية قدرها5 مليارات دولار، وحسب الآلة الإعلامية وقتها، فقد بدأ التنفيذ الفعلى بتطوير منطقة الدويقة بمنشأة ناصر, وهى أكبر المناطق العشوائية بالقاهرة والتى يسكنها2 مليون مواطن، وخصصت لها الحكومة180 مليون دولار، وبالمناسبة هى الدائرة الانتخابية للوزير السابق.
لكن ذهب الوزير وجاء وزير، ومن الصعب أن تعرف ماذا حدث، فقد ذهب البرنامج القومى إلى مصيره المتوقع.. عالم النسيان الحكومى.. ولن يعيده إلى أرض الواقع، إلا انتفاضة حقيقية، تقلق مضاجع الكبار، من الحكومة ومن خارجها، وتؤكد لهم أنهم استحالة أن يعيشوا هانئين وهناك من يموتون ببطء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة