بانزعاج شديد تابعت أحاديث وأفكار وخطط ورؤى أحمد المغربى وزير الإسكان لمستقبل القاهرة عام 2050، وهى قطعا ليست رؤية فردية لوزير مسئول ومهموم بالإسكان أو من المفترض أنه كذلك، وإنما هى رؤية دولة وحكومة ومعظم مسئولى هذا البلد المنكوب بقادته ومسئوليه وعاصمته وفقره وفساده، ولا أظن أن أحدا من هؤلاء المسئولين توقف للحظة واحدة ليعيد من جديد تأمل هذا المشهد الرسمى المصرى المهموم بشكل القاهرة بعد أربعين سنة.
ومن الآن، أود أن أقول لأحمد المغربى وكل أعضاء حكومته ورئيسها: إنكم ترتكبون الخطأ الفاضح والفادح، وإن رؤيتكم لتطوير القاهرة وتغييرها رؤية قاصرة وعاجزة، وإنكم جميعا ستخسرون كل رهاناتكم بشأن القاهرة مهما أنفقتم المال للبناء والتغيير، لأنكم تتعاملون الآن مع القاهرة كمجرد عاصمة ومدينة اكتظت بأهلها فضاقت بيوتها بمن فيها واختنقت شوارعها بسياراتها، وبالتالى اجتهدتم ووضعتم الخطط التى ستسمح للناس بأن تجد بيوتا وللسيارات بأن تجد طرقا وللأسواق بأن تجد زبائن وللمسئولين بأن يجدوا فى كل يوم ترفيها جديدا يعينهم على قضاء حوائجهم أو القضاء على مللهم، ونسيتم القاعدة الأولى والأهم من كل قواعدكم، وهى أن أى مشروع لتطوير القاهرة فى سنة أو عشرين أو أربعين أو مائة سنة، محكوم عليه بالفشل المؤكد إن بقيت معدلات الهجرة قائمة من مختلف مدن مصر وقراها إلى القاهرة، فأنتم تخططون للقاهرة بعد أربعين سنة متخيلين أن الموجودين فيها الآن هم كل أهلها وأولادهم، ولكنكم تنسون كل هؤلاء الجدد الذين سيأتون مع كل نهار جديد.
وقد كنت ولا أزال أتخيل أنكم لو تخافون على القاهرة بالفعل، أو تريدون إصلاحها، أن تلتفتوا لباقى مصر وأن تخلقوا فيها أكثر من قاهرة، تخيلوا أيها السادة الكبار لو أننا كلنا الآن، وبدلا من كل هذا الانشغال بمستقبل القاهرة بعد أربعين سنة والمشروعات الجديدة التى سنبنيها فيها، قررنا تخصيص هذه الأربعين سنة لتنمية عشر مدن مصرية، تخيلوا لو أننا اخترنا أى مدينة أو قرية صغيرة على شاطئ البحر الأحمر وقررنا أن تصبح هذه المدينة عاصمة للسينما فى مصر، فبنينا هناك الاستوديوهات والمعامل وبيوتا مختلفة المعايير والمقاييس للفنانين والعاملين فى هذه الصناعة التى تسبق فى أهميتها الاقتصادية لمصر صناعات أخرى مثل الحديد أو النسيج سواء بحجم العمالة أو حجم الصادرات والعوائد التى تجنيها الدولة، ونبنى الفنادق والمدارس والمستشفيات والأسواق.
وأن يتوقف مهرجان القاهرة ليبدأ مهرجان جديد فى مصر فى عاصمة السينما المصرية، وفى قرية أو مدينة أخرى، ننقل كل صناعة البرمجيات فى مصر، ونسمح ونشجع بتأسيس الشركات المصرية المتخصصة فى هذا المجال، وندعو الشركات العالمية لتأتى إلى هذه المدينة وتنشئ فروعا لها وتبنى مصانع فيها استغلالا لعمالة مصرية رخيصة وموقع جغرافى يسمح بالتصدير للشرق الأوسط وأفريقيا كلها، وخلال أربعين سنة ستتحول هذه المدينة إلى مدينة عالمية كبرى وشهيرة بكل ما تحتاجه أى مدينة كبرى من خدمات وضرورات للحياة، وفى قرية أو مدينة أخرى، نقرر بناء عاصمة للطب المصرى، مستشفيات ومراكز متخصصة وعامة وفى كل فروع الطب، جامعات ومعاهد وأكاديميات تكتسب الشهرة والمكانة يوما بعد يوم، مع توفير مختلف وسائل المواصلات وأشكالها ودرجاتها بين هذه المدينة وبين أى مكان آخر فى مصر.
تخيلوا لو أننا نفكر فى ذلك، أو نحلم ونحاول ذلك، بدلا من الترقيع المستمر فى رقعة القاهرة وخريطتها، تخيلوا لو أننا مهمومون بذلك بدلا من الانشغال بالطرق الدائرية والمربعة والمحاور والمستطيلات وتقطيع وهمى للقاهرة لتصبح أربع محافظات مرة واحدة.
تخيلوا لو أن القوات المسلحة لم تبن هذا الاستاد العظيم فى برج العرب وإنما بنته فى مدينة الأقصر لتقام هناك مباريات الكرة وبطولاتها ولتصبح الأقصر بشهرتها العالمية وفنادقها ومعابدها مضافا إليها هذا الاستاد الرائع وخدمات رياضية وغير رياضية أخرى، هى المدينة القادرة على جذب اهتمام أندية أوروبا ومنتخباتها فى مواسم الشتاء الأوروبى البارد، أو بنينا هذا الاستاد فى الغردقة أو شرم الشيخ، ويصبح نواة لقرية أوليمبية حقيقية ونملك بعدها مدينة مصرية قادرة على استضافة الألعاب الأوليمبية ونثبت لأنفسنا وللعالم كله أنه فى مصر حياة حقيقية خارج القاهرة وبعيدا عنها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة