ليس كل ما يفعله الحزب الوطنى «رجس من عمل الشيطان»
يمكننى أن أتفهم، رفض قطاعات ليست قليلة من المعارضة للخصخصة، ولكن لا يمكننى تفهم رفضهم لفكرة تمليك المصريين صكوك بعض شركات قطاع الأعمال.. أليس هذا هو الشعب الذى يدافعون عن مصالحه ويتحدثون باسمه، فما المشكلة فى أن يتملك بعضا من أصول الدولة وأملاكها، التى هى فى حقيقة الأمر أصوله وأملاكه. لا أظن أن هذا منطقى..
وخاصة أنهم يرفضون الخصخصة، وقد يكون موقفهم صحيحا، فحسب خطابهم الدائم وأدبيات أحزابهم، يرون أن هناك شبهات فساد، وهناك بيع «برخص التراب» وهناك عمولات.. وغيرها وغيرها، وهو ما يعنى الإبقاء على ملكية الحكومة لأصول المصريين، دعك من الاسم الإعلامى أملاك دولة، فلا ولاية للمصريين عليها، ولا حتى عبر المؤسسات التشريعية والبرلمانية.. فهى كما يعرف المعارضون تسيطر عليها الحكومة تماما.. فهل يريدون استمرار سيطرة حكومة الحزب الوطنى على ممتلكات المصريين؟ هل هذا منطقى؟
ربما من على أرضية أنهم «يختاروا أحسن الوحشين»، أى أن الحكومة مهما كانت، أرحم من رجال أعمال مصريين وأجانب «يشترون البلد»، فلماذا إذن لا يريدون استبدال عموم المصريين بالحكومة؟
الحقيقة أننى لا أجد إجابة مقنعة، وخاصة أنهم يتهمون الحكومة دائما بسوء الإدارة، وفى أحيان كثيرة بالفساد.. ويتهمونها بأنها لا تحترم تقارير أجهزة رقابية، مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، بل هناك اتهامات حتى لبعض الأجهزة الرقابية بأنها لا تعمل إلا إذا كان هناك ضوء أخضر.. فإذا كانت هذه قناعتهم.. فلماذا يرفضون وجود رقابة شعبية لحاملى الصكوك على بعض أملاك الدولة؟
بصراحة، لم أجد إجابة مقنعة فى كل ما قرأته ورأيته، ولا يمكننى تفهم الرفض، أليست هذه هى الجماهير التى تدافع عنها القوى السياسية وتتحدث باسمها؟ أعرف أن الكثيرين، وأنا منهم، يتوجسون من أى قرار حكومى، والسبب أنه لا يوجد تداول سلطة، وبالتالى فمعظم المعارضين ينطلقون من على أرضية العداء لسلطة حاكمة مستبدة، والتى لا تريد أن يشاركها أحد ولو قليلا فى إدارة البلد.. ولكن هذا ليس مبررا كافيا لأن تكون «عمال على بطال»، ولا مبررا للوقوف ضد استفادة المواطنين من قرار إيجابى.
ربما يكون تصريح وزير الاستثمار محمود محيى الدين لمنى الشاذلى فى برنامج «العاشرة مساءً» بادرة أمل، فقد أكد أنه سيجرى مقابلات مع مختلف الأحزاب، لتوسيع دائرة الحوار حول المشروع، وأتمنى أن يكون حوارا جادا، ويستفيد الحزب الوطنى من آراء مخالفيه، فهناك تجارب حوار طرش كثيرة أدارتها الحكومة مع المعارضة، بمنطق قولوا ما تشاءون ونفعل ما نشاء. وربما يكون ما كتبه البعض صحيحا، فالحزب الوطنى وحكومته، يريدان تحقيق شعبية، وربما يكون الهدف هو تحقيق شعبية لجمال مبارك.. ولكن ما هو العيب فى ذلك؟ أقصد وكما قال وزير الاستثمار أن هذا أمر طبيعى، بل وواجب على الحكومة وحزبها.. وهذا ليس مبررا مقنعا لمعاداة المشروع، وإلا بذات المنطق علينا أن نرفض بناء أى مستشفى أو مدرسة أو رصف طريق؛ لأن هذا يصب لصالح الحزب الوطنى، فالأصل الذى يجب أن نحتكم إليه جميعا مصلحة الناس. أتصور أن دور المعارضة فى هذا السياق فى منتهى الأهمية، فواجبها أن تنشر اعتراضاتها وتخوفاتها، على أرضية تنقية العيوب وتعظيم الاستفادة من المشروع وليس هدمه، لأنه لو نجح، ففى الغالب سيغير العقلية السائدة لدى قطاعات واسعة تتعامل بلا مبالاة، مع ما يخص الشأن العام، لأنه سينقلهم بالضرورة، لأنهم أصحاب مصلحة مادية مباشرة، إلى حتمية الاهتمام وحتمية المشاركة، لأن المواطن سيكون مستفيدا بشكل مباشر من هذه الصكوك.
وفى الغالب، هذه الخطوة ستفتح الطريق إلى مشاركة شعبية أوسع فى جميع المجالات، فى انتخابات المحليات والانتخابات البرلمانية، لأن الناس ستدرك وقتها أن الانتخابات ليست رفاهية، ولكنها تؤثر مباشرة فى حياتهم اليومية، وسيدركون، لأنهم خاضوا تجربة الصكوك، أن بإمكانهم ممارسة ضغوط واسعة من أجل تغيير واقعهم بشكل سلمى وديمقراطى. لذلك أتمنى أن يخرج النقاش والحوار حول المشروع من خانة الكيد السياسى، من جانب الحزب الوطنى أو من جانب المعارضة.. إلى خانة مصالح الناس.
لمعلوماتك..
◄1991 صدر القانون 203 لإعدام القطاع العام
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة