لم أجهر يوما بأننى عضو فى الحزب الوطنى الديمقراطى منذ عام 1980.
لم أظهر كارنيه الحزب لأحد، بل أننى ألقيت به فى مكان ما فى بيت أمى ببورسعيد ونسيته وكأنى «كنت عامل عاملة».
ومع أننى كنت «كادر محترم» فى أمانة الشباب ببورسعيد، ومع أننى كنت أصغر من حضر دورة متقدمة لإعداد القادة فى مركز الدراسات الوطنية، ومع أننى شاركت فى أول مؤتمر للحزب يرأسه الرئيس مبارك وأنا لم أحصل بعد على البكالوريوس، لكننى لم أكن أعتبر نفسى أمارس عملا حزبيا، فما كنا نفعله لم يكن يختلف عما كان يفعله من سبقونا فى الاتحاد الاشتراكى والاتحاد القومى ومنظمة الشباب وحزب مصر، الأكثر من ذلك أن المبنى الذى كان يضمنا لم يتغير فيه سوى اليافطة لدرجة أن أحد الأساتذة القدامى فى العمل السياسى قال لى مرة على سبيل الفخر دون أن يدرى أنه يدمرنى: «تصدق أن المكتب ده كان برضه مكتبى من أيام الاتحاد القومى؟!».
يومها أيقنت أننى أضيع وقتى فى ذلك المكان حتى أتخرج وأذهب إلى القاهرة وأعمل صحفيا وأنهى كل علاقتى بما يسمى الحزب الوطنى الديمقراطى.
ومع أننى بدأت عملى الصحفى فى جريدة مايو.. جريدة الحزب الوطنى فإن عملى المهنى كان يطغى على العمل السياسى، وسرعان ما حسمت هذه المسألة تماما حين انتقلت عام 1984 للعمل فى جريدة أخبار اليوم.
لكن شعورى تجاه الحزب الوطنى تغير تماما مع اضطلاع جمال مبارك فى العمل الحزبى، قرأ جمال مبكرا تفاصيل الوضع الحقيقى للحزب فاكتشف أنه لكى يصبح هذا «الحزب» حزبا يجب إصلاح الخطأ الذى وقع فيه الرئيس السادات حين شكل الحزب من القمة وليس من القاعدة، عاد جمال مضطرا إلى المربع رقم واحد فى بناء الأحزاب السياسية أو ما يسمى بالقاعدة، واستعان فى تنفيذ هذا الفكر بمجموعة من الشباب الوطنى المثقف والملتحم أصلا بالشارع، وخاض عملية طويلة لإعادة ترتيب البيت من الداخل، وفى الوقت الذى كانت أمانة السياسات تصوغ الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتقدمها جاهزة للحكومة، كانت أمانة التنظيم تضع على خط مواز - أساليب جديدة للعمل تعتمد على البناء من أسفل إلى أعلى ليصبح أصغر عضو فى الحزب له دور تنظيمى يمارسه ويحاسب عليه، وهكذا لم يعد هناك تهافت على زيادة أرقام العضوية بقدر منح الفرصة للعناصر القادرة على العطاء لتصعد سلم العمل الحزبى، مع توجيه الشكر للعناصر الخاملة التى انضمت للحزب طمعا فى مكاسب شخصية وليس حبا فى العمل السياسى.
هذا الفكر الذى جعل من اللامركزية شعارا للمؤتمر العام المقبل للحزب الوطنى يؤكد أنه من الممكن إصلاح أخطاء الأمس فى نفس اللحظة التى نتوجه فيها للغد، مادمنا نمتلك القدرة على الاعتراف بالأخطاء والرغبة فى تصحيحها، وأظننا قادرين وراغبين ومستعدين لبذل أغلى ما نملك من أجل هذا الوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة