أسوأ منصب فى مصر هو: رئيس مجلس الوزراء، من الصعب أن تجد واحدا فاز بحب واحترام الشعب، إنها طبيعة المنصب فى مصر على وجه الخصوص، فرئيس الوزراء يعمل لدى الرئيس، فهو الذى اختاره وهو الذى يملك إقالته، وبالتالى يصبح هدف أى رئيس حكومة إرضاء الرئيس أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً.
وإذا كان رئيس الجمهورية يحكم شعبه من خلال رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء، يصبح تقييم الرئيس سهلا إذا عرفنا إلى أى مدى نجح فى اختيار الأشخاص الذين احتلوا منصب رئيس الحكومة.
فماذا إذا سألنا المنصفين فى هذا البلد على اختلاف المواقع التى يحتلونها عن عدد المرات التى نجح فيها الرئيس فى اختيار الشخص المناسب لتولى أصعب وأسوأ وظيفة فى مصر.
لن أبالغ إذا قلت إن الجميع سيتفقون على اسمين فقط: فؤاد محيى الدين وعاطف صدقى رحمهما الله.
والمفارقة فى هذين الاسمين أن الشعب لم يرفل فى النعيم خلال فترتيهما يوماً واحداً، فمن سوء حظ الأول أنه تلقى تكليفاً من الرئيس بتوجيه أغلب إيرادات موازنة الدولة لمشروعات البنية الأساسية، من طرق وكبارى وصرف صحى وتليفونات ومستشفيات، ولأن الناس رأت بعيونها «بطن» البلد وهو خارج لإعادة بنائه، لم يذكر الدكتور فؤاد محيى الدين بسوء رغم أننا عشنا فى عهده ونحن رابطو البطون.
لكن رؤساء الوزراء الذين أعقبوا فؤاد محيى الدين لم يسمحوا للشعب بفك الأحزمة، بل اتبعوا سياسات عجيبة فكانوا يديرون الاقتصاد المصرى يوماً حسب الطريقة الاشتراكية، ويوماً حسب الطريقة الرأسمالية والنتيجة أن العجز والتضخم أصبحا سمة رئيسية لاقتصادنا مع تآكل فى مساحة الأرض المزروعة وضعف فى الإنتاج والتصدير حتى وصلت البلد إلى عاطف صدقى وهى خربانة تماماً.
لم يكن الدكتور صدقى يجيد فن الخطابة، كان يتلعثم وهو يذكر لنا أرقامنا المؤلمة فى بيان الحكومة، لكننا صدقناه وهو يعدنا بصلاح الأحوال لو صبرنا قليلاً معه وربطنا البطون أكثر واكتفينا بالفول والطعمية والكشرى أكثر وأكثر وأكثر.
وكان الرجل صادقاً حازماً وهو يراقب منحنى الاقتصاد يصعد ويصعد، حتى هلكت صحته - صحة الدكتور عاطف -، ولم يعد قادراً على الاستمرار كرئيس للحكومة، لكنه - والشهادة لله - سلم البلد لمن أتى من بعده وهى مؤهلة لتمضى فى طريق «العملقة»، لكن ما حدث بعد فؤاد محيى الدين تكرر بصورة أسوأ بعد عاطف صدقى.
كل ما وفره الدكتور ضاع فى »شربة ميه«.. اكتشف رؤساء الوزراء الذين جاءوا بعده، أن الفقر والفلس أحسن دوا لهذا الشعب فألقوا بتحويشة عمرنا فى مشروعات فاشلة، وباعوا البلد حتة حتة لمن يدفع »أقل« ووضعوا فلوس الخصخصة فى مكان غير معلوم حتى هذه اللحظة.
الغريب أنهم لم يدخلوا السجن.. فقط تمت إقالة أحدهم وتم وضع الآخر على رأس بنك أغنى من مغارة على بابا.
صحيح أنها أسوأ وظيفة فى مصر، ولكن من وجهة نظرنا نحن الذين نعانى منها، ولكنها أفضل وظيفة -بالتأكيد- للذى دمر وأهلك وأحرق وأباد، وفى النهاية يتم تكريمه لأن السجن -مع الأسف- للجدعان فقط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة