بعضٌ من الصراحة مع النفس، لا أكثر، هو ما نحتاجه للحكم على شاشتنا الإخبارية الوطنية الوحيدة: «النيل قناة مصر الإخبارية»، لو أنك تمسك فى يدك بجهاز الريموت كونترول، ومررت على شاشتها، فهل ستتوقف عندها؟ الإجابة بكل صراحة هى: لا!
مبدئياً لأن الشاشة التى أنفق عليها الكثير، والتى تعرضت لأكثر من محاولة للتطوير، لم تحظ حتى الآن بـ«وهج» يحملك على التوقف أمامها، ولن نظلمها إذا قلنا بأن الشباب الذى كان يميز الوجوه التى تطل عليها، هو نفسه ينسحب بفعل الزمن، فهل ستكون هذه الشاشة قادرة على تجديد شبابها باستمرار بدماء جديدة؟ ما الذى ستقدمه لهم المحطة فى إطار الامتيازات الوظيفية؟ وفيما يخص الشهرة التى مفترض أن تمنحهم إياها ؛على اعتبار أن الشهرة هى الاسم التجارى للمذيع وهى رأسماله ؟ فليس غريباً إذن أن عدداً من شبابها الواعد غادرها إلى شاشات قادرة على منح فرص المشاهدة الأفضل.
القناة التى من المفترض أن تكون إخبارية، لا تقدم أية خدمة إخبارية على الإطلاق ! والسبب لا يخفى على أحد، فالولاء للخبر، يعنى بالضرورة أكبر مساحة ممكنة من الحرية، برغم أن الحرية المطلقة هى رفاهة لم تتوافر حتى الآن لأية قناة إخبارية عربية، لكن المهارة والاحتراف هى فى التحايل على ذلك بكل السبل، وتجنب الخطوط الحمراء قدر المستطاع، وببساطة باعتبارك مشاهداً فإنك لن تفوت شيئاً إذا لم تتوقف أمام هذه القناة: لا على المستوى العالمى، ولا الإقليمى، ولا حتى المحلى، ستلجأ إليها إذا أردت متابعة حدث مغرق فى المحلية (ككارثة الدويقة مثلاً) يعانى مراسلو القنوات الأخرى فى الحصول على تفاصيله بسبب ما سيتعرضون له من مضايقات، لكنك فى أفضل الأحوال لن تحصل فى هذا الإطار بالذات إلا على ما سيكون أقرب إلى النشرات الرسمية، التى تصدرها المؤسسات الحكومية عن إنجازاتها!
وبرغم الجهد الذى يبذل فى القناة لتكون مميزة، والذى يتضح من بعض إنتاجها، كالبرامج التى تتسم بالطابع الوثائقى مثلاً، وكبعض الفقرات المتميزة، كذلك التقرير الذى تضمنته إحدى نشراتها الاقتصادية، وكان محوره: أين ذهبت الأموال التى خسرها المستثمرون فى البورصة؟ والذى قدم إجابة لسؤال يفرض نفسه بقوة على أى إنسان فى العالم الآن، إلا أن هذا الجهد يضيع فى أخطاء لا تليق، كما الأخطاء المطبعية التى توجد فى الفقرة الخاصة بمقتطفات الصحف، والتى يبدو أن لا أحد يراجعها قبل الظهور على الشاشة! بالإضافة إلى نقطة الضعف التى تتمثل فى الاعتماد الكبير على البرامج والفقرات التحليلية، والتى قد تمثل فى حد ذاتها نقطة قوة لو تم استغلالها بالأسلوب الأمثل، كما يحدث فى قناة «الحرة» التى تتخير ضيوف هذه الفقرات بدقة، فتمنحها قيمة حقيقية، لتصبح إضافة فعلية لثقافة المتفرج، العيب الآخر فى الفقرات التحليلية، هو المساحة الكبيرة التى تحتلها من وقت الشاشة، السبب بالطبع، هو تجاوز النقص الموجود فى الطبيعة الإخبارية.
«النيل للأخبار» كانت واعدة، حصد العاملون فيها العديد من الجوائز، كان حماسهم يقودهم، لكن تغيير اسمها إلى «النيل قناة مصر الإخبارية» ليس كافياً ليمنحهم الحماس من جديد، ولا لإقناع المشاهد بأن تواصله مع القناة سيمنحه أجوبةً لتساؤلاته عما يحدث فى العالم، فلا يمكن لشاشة أن تخدع المشاهد طويلاً!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة