فاجأت سيدة الغناء العربى أم كلثوم الجميع باقترانها بالموسيقار محمود الشريف، وقرأوا عما جرى فى «أخبار اليوم» يوم 7 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1946، لكن الحدث لم يمر بهدوء، فثار من ثار، وغضب من غضب، وانتهت القصة بفراق مؤلم، حسبما يكشف محمود الشريف فى مذكراته التى أعدها الكاتب والشاعر الراحل محسن الخياط، ونشرتها مجلة «الشاهد» بين عامى 1989 و1990، وكانت تصدر من قبرص شهريا، وحسب ما ذكره «الشريف» أيضا للكاتب والناقد طارق الشناوى فى كتابه «أنا والعذاب وهواك».
فى المذكرات التى أعدها محسن الخياط، يصف «الشريف» علاقة حبهما، قائلا: «كنا كعصفورين نحلق فى سماء ربيع دائم تملأه الخضرة والحب، وكان شعارنا كما عبرت عنه أم كلثوم: «أنا وأنت والحب وبس»، ويكشف، كم كانت أم كلثوم وهى فى نحو الـ«43» من عمرها تبدو كفتاة صغيرة، تريد أن تختصر الأميال من أجل أن تكسب قلبه رغم أنه يصغرها بأكثر من عشر سنوات، وعن بداية علاقتهما يقول: «على مدى عام ونصف العام لم نفترق، عرفت كل شىء عنى وعرفت كل شىء عنها، لم أخف عنها أية خلجة من خلجات الضمير، كنت صريحا غاية الصراحة، واضحا كل الوضوح، أرادت أن تلتقى بفتى من وسطها، تعاقب على طلب يدها الوزراء والصحفيون والأغنياء ورفضتهم جميعا، وقبلت أن تمنح قلبها لفنان من وسطها من طبقتها يقدر فيها الإنسانة والفنانة معا».
يكشف الشريف: «تمت الخطوبة فى فيلا أم كلثوم، وحضرها الإذاعى محمد محمود شعبان «بابا شارو»، ومن الموسيقيين حضر محمد عبده صالح عازف القانون فى فرقة أم كلثوم، وأمير الكمان أحمد الحفناوى، وصديقى الموسيقى عبدالرؤوف عيسى، ومنشد الكورال محمد نبيه، وكانت هديتى لها خاتما ماسيا مطعما بالبلاتين فى إصبعى أعجبت به فأهديتها إليها على الرغم من أنه خاتم رجالى، أما هديتها لى فكانت ساعة والدها الذهبية القديمة وهى ساعة سويسرية لها غطاء من الجلد».
فى كتابه «أنا والعذاب وهواك» يذكر طارق الشناوى، أنه فى صباح 7 ديسمبر 1946، نشرت «أخبار اليوم» خبر الخطوبة، وكتب مصطفى أمين التفاصيل بعنوان «زواج أم كلثوم»، قائلا: «لم يكن أحدهما يعرف الآخر مطلقا أو رآه رغم أنهما زميلان فى مهنة واحدة، وكان أول لقاء لهما فى منزل الأستاذ محمد عبدالوهاب، حيث دعا بعض أصدقائه ومن بينهم «أم كلثوم» و«الشريف»، وفى هذا الحفلة الخاصة انطلق «الشريف» يغنى ألحانه الشعبية، واشتركت أم كلثوم مع عبدالوهاب فى ترديد الكورس، وكان اللقاء الثانى حينما انتخب الشريف وكيلا لنقابة الموسيقيين التى ترأسها «أم كلثوم»، وفى إحدى الجلسات اقترحت الرئيسة اقتراحا، فعارضها الشريف، وكان عنيفا فى معارضته مما لم تألفه «أم كلثوم» التى ألفت الطاعة دائما، ومن هنا بدأ يأخذ حيزا من تفكير أم كلثوم، وأخذ هذا الحيز يكبر شيئا فشيئا فى الجلسات التى تشهدها دار النقابة».
يضيف مصطفى أمين، أنه مع تطور العلاقة بينهما عرض عليها «الشريف» الزواج فوافقت، وفى اليوم التالى اصطحبها إلى الصاغة واشتريا الدبل، وكتب على دبلته «لا إله إلا الله»، أما على دبلتها فكتب «محمدا رسول الله»، وكتب التاريخ الهجرى «غرة محرم سنة 1360».
بعد عشرة أيام من الخطوبة عقد القران وأثناء كتابة العقد سأل المأذون: «هل العصمة ستكون فى يد صاحبة العصمة أم كلثوم؟»، فسكتت أم كلثوم ورد الشريف: «بل فى يدى أنا، يا أستاذ الرجال قوامون على النساء»، وسأل المأذون على المهر، فأجابت: «خمسة وعشرون قرشا»، وقال الشريف: «بل أكتب أقصى ما تسمح به الشريعة من مهر، إن أم كلثوم تساوى ثقلها ذهبا، لو كان لى مال قارون لوضعته تحت قدميها، ولكن أم كلثوم أصرت على ألا يزيد عن خمسة وعشرين قرشا، دفعها الشريف فورا قطعتين من ذات العشرة قروش فضة، وخمسة قروش ورق».
يؤكد «الشريف» لطارق الشناوى، أن رد الفعل على الخبر كان قاسيا على البعض، ويكشف: قرأ الشاعر أحمد رامى الخبر فلم يشعر بنفسه، وخرج مسرعا بـ«البيجامة» من بيته بمصر الجديدة، واتجه الى محطة الترام ليستقله إلى جهة لا يحددها ولا يعرفها، ولم يدر أنه يرتدى البيجامة إلا عندما نبهه الكمسارى، أما «القصبجى» فحمل مسدسا وأخفاه وراء ظهره لقتل «الشريف»، وكان زكريا أحمد يعلم أن الشريف مقيم فى «الفيلا»، فتوجه إليها وانهال بالشتائم عليه وعلى أم كلثوم.
بعد أن كتب مصطفى أمين تفاصيل القصة توجه إلى فيلا أم كلثوم، وحسب ما يذكره «الشريف» قال أمين: «يا ثومة، الملك فاروق غير راض عن الخطوبة، فأجهشت بالبكاء، وكان «الشريف موجودا فرد غاضبا: «دى خطيبتى أمام الله والرسول والناس، ماله الملك ومالنا؟!»، فجففت أم كلثوم دموعها، وقالت للشريف: «أمرنا الى الله يا محمود ما فيش نصيب، لازم تنفذ الأمر»، وكما انفردت «أخبار اليوم» بخبر الارتباط بين الاثنين، انفردت بخبر الفض.