يُعد فقدان الشهية العصبي واحدًا من أكثر اضطرابات الأكل تعقيدًا، إذ يجمع بين ملامح نفسية دقيقة وتأثيرات جسدية واسعة، هذا الاضطراب لا يبدأ عادة بانقطاع الشهية فحسب، بل ينشأ عن نمط طويل من القلق المرتبط بصورة الجسد ومحاولات مستمرة للتحكم في الوزن بشكل قاس. وفقًا لتقرير نشره موقع EverydayHealth، فإن فقدان الشهية يندرج ضمن الاضطرابات التي قد تهدد الحياة إذا تُركت دون تدخل طبي منظم.
أسباب الاضطراب
يتعامل الباحثون مع فقدان الشهية بوصفه نتيجة لتداخل عوامل متعددة، لا لعامل واحد محدد، فبعض الأفراد يمتلكون استعدادًا بيولوجيًا يجعـلهم أكثر عرضة لتطوير سلوكيات مقيدة للطعام، كما تشير الأدلة إلى ارتباطه بسمات شخصية تتسم بالدقة المفرطة، والقلق، والرغبة في السيطرة. ويزيد العبء الاجتماعي — مثل ضغط معايير النحافة أو المرور بتحولات حياتية كبيرة — من احتمالات ظهور الاضطراب وتفاقمه.
وتوضح تحليلات علمية أن الفتيات المراهقات والنساء الشابات هن الفئة الأكثر تأثرًا، غير أن الرجال والأشخاص من مختلف الخلفيات قد يصابون به أيضًا، وتكشف بيانات غير متحيزة أن بعض الفئات، مثل الأمريكيين ذوي البشرة السوداء، أقل حصولًا على التشخيص رغم وجود المرض لديهم لفترات أطول.
كيف يظهر فقدان الشهية؟
تتجسد العلامات الأولى للاضطراب غالبًا في تغيّر واضح في علاقة الشخص بالطعام. يبدأ المريض بتقليل الحصص الغذائية تدريجيًا، ثم يعتمد أساليب أخرى لتقليص السعرات، مثل إرهاق الجسد بالتمارين أو استخدام الملينات أو التقيؤ المتعمد بعد الأكل.
على المستوى الجسدي، تتطور سلسلة من التغيرات التي تعكس نقص التغذية: هبوط حاد في الوزن، ضعف العضلات، الشعور الدائم بالبرد، تساقط الشعر، خلل في ضغط الدم، اضطرابات في النبض، ومشكلات هرمونية قد تصل إلى انقطاع الطمث لدى النساء أو انخفاض التستوستيرون لدى الرجال، وفي الحالات الطويلة الأمد، قد يتأثر نسيج العظام والكلى والقلب.
أما التغيرات السلوكية فتشمل الانشغال المفرط بالميزان، تجنّب تناول الطعام أمام الآخرين، الانسحاب الاجتماعي، والالتزام بطقوس صارمة مرتبطة بالأكل. بعض المرضى يخفون الجسد بطبقات من الملابس لإخفاء النحافة، بينما يعاني آخرون من تقلبات انفعالية حادة نتيجة الجوع المستمر.
الفحص والتشخيص ضرورة
الطبيب المعالج لا يعتمد على المظهر وحده. يجمع التاريخ المرضي، ويُجري فحوصًا جسدية، وتحاليل للدم والبول، وربما تقييمًا لكثافة العظام أو تخطيطًا للقلب، والهدف هو تحديد أثر نقص الوزن على أنظمة الجسم المختلفة، واستبعاد الأمراض التي قد تُشبه أعراضها فقدان الشهية.
تشير مراجعات علمية إلى أن عدم علاج الاضطراب مبكرًا يزيد من خطر المضاعفات، ويرفع احتمالات الوفاة أكثر من أي اضطراب نفسي آخر.
طرق العلاج
تعتمد معالجة فقدان الشهية على خطة متعددة المحاور. يبدأ التدخل بتأهيل التغذية من خلال اختصاصي يضع برنامجًا تدريجيًا لاستعادة الوزن بأمان. في الوقت نفسه، يعمل العلاج النفسي — خصوصًا العلاجات السلوكية المعرفية — على تصحيح الأفكار المشوهة حول الوزن والطعام.
وتوفر المجموعات العلاجية بيئة داعمة يشارك فيها المرضى تجاربهم، بينما تتطلب الحالات الشديدة العلاج داخل المستشفى للحفاظ على الوظائف الحيوية ومنع المضاعفات. وفي بعض الأوقات تُستخدم أدوية تستهدف القلق أو الاكتئاب المصاحب، على الرغم من عدم وجود دواء مخصص لعلاج فقدان الشهية نفسه.
مضاعفات لا يُستهان بها
يؤدي الاضطراب إذا استمر إلى أضرار تمتد من فقر الدم وتدهور العضلات إلى اختلال الأملاح الحيوية، وضعف القلب، ومشكلات في الكلى، وتقدّر أبحاث معتمدة أن نسبة كبيرة من المرضى قد يُقدمون على محاولات انتحار نتيجة العبء النفسي. أما بالنسبة للحمل، فيمكن أن يسبب فقدان الشهية اضطرابات في الإباضة، وزيادة خطر الإجهاض والولادة المبكرة.
الأكثر عرضة
تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن الملايين يعانون من نوع من اضطرابات الأكل خلال حياتهم، وأن فقدان الشهية أكثر شيوعًا بين النساء بثلاثة أضعاف مقارنة بالرجال. ورغم الصورة النمطية المرتبطة به
غالبًا ما يتقاطع فقدان الشهية مع اضطرابات أخرى مثل الوسواس القهري، القلق، الاكتئاب، أو الشره المرضي. هذا التداخل يزيد من تعقيد الحالة ويتطلب خطة علاج دقيقة تراعي الأبعاد النفسية والجسدية.